الأحد، ١٢ رجب ١٤٣٠ هـ

قضيـة التوارق

--- مناضل وباحث تارقي : ابوبكر أكحتى
( إن الحرية قد تنتفي من الواقع و من المجتمع ، لكنها لا تنتفي بالمرة من التاريخ ، حيث في استطاعتها دائماً أن تلجأ إلي الخيال . و الخيال ينخر الواقع يوماً بعد يوم ، باستمرار و بعناد ، حتى يأتي على أساسه و يطيح به ، فتلج الحرية من جديد ، بصخب ، حيز الواقع و المجتمع ) .
عبد الله العروى .


( انهم نظاميون كالجند ، هادئون كالفيران ، و ذوو صبر كصبر الحمير . و أن ما يجعل المشهد باعثاً على الإشفاق يقين المرء بأن ليس لهؤلاء الأولاد إلا أمل ضعيف في التخلص من عالم الذباب هذا الذي ولدوا فيه ، أو في رؤية هذا العالم و قد تغير ) .
جيمس ويللارد


قضيـة التوارق هي قصة مأساة ذات أبعاد اجتماعية و سياسية و اقتصادية ، و تبدأ القصة مع خروج الاستعمــار : فطوال فترة الاستعمار لم يسمح التوارق بتفريغ الذات من مضامينها و أبعادها الدينية، و مفهوم الوطنية و المواطنة الذي كان سائداً لديهم إبان تلك الفترة ، كان هو نفس مفهوم الفقـه الإسلامي المؤسس على وحدة العقيدة ، حيث الانتمـاء للعقيدة

الواحدة - في حدود الجغرافيا - يعني الانتماء للوطن الواحد . و هذا كان هو الفخ الذي تم استدراج التوارق إليـه فوقّعوا على وثيقة الاستقلال ، و بعد خروج المستعمر ( الكافر !!؟ ) بعدة أشهر ( 1960 ) اكتشفوا أن المفهوم الذي كان سائداً لمدة قرون قد تم التنكر له و أستبدل بالمفهوم الغربي … ، حيث الانتماء للوطن يعني الانتمـاء للقوم … يعني القومية ¹.
وهنـا كانت أول ثوراتهم سنة 1963 ، و قد تم إجهاضها و اعتقال كافة الزعامات التقليدية بفضل تعاون بعض الحكومات المجاورة تحت ضغط الحكومة الفرنسية التي كانت و مازالت إلي اليوم تسيطر علي القرار السياسي لهذه الحكومات .
لقد كانت مأساة ، ففي يوم و ليلة تحول الجيران و حلفاء الأمس و شركاء المصير إلي مستعمرين ( بكسر الميم ) وأصبح مجتمع التوارق ساحة لتطبيق كل ما استوعبته الذاكرة من أساليب السياسات الاستعمارية و الإمبرياليـة ، فخلال فترة زمنية امتدت لأربعـة عقود تم ممـارسة الإبـادة و النفي و التجويع و العزل و التغريب و التفكيك و التهجير و التشتيت و التهميش و الاستئصـال و الإحلال و الامتصاص و الاختراق و زرع الفتن… . و إذا كان " كارلوس فوينتس" يصف الاستعمـار بأنه ( كان حدثـاً فظيعـاً و دموياً و إجرامياً و كارثياً … و لكنه ليس حدثاً عقيماً ) ، فإنه في حالة التوارق كان حدثاً عقيماً أيضاً .
و الصورة النمطية التي يتم تسويقها دائماً من طرف الحكومات سالفة الذكر هي نفس الصورة التي أنتجها المستعمِر الأول :" مجتمع التوارق مجتمع بدائي رافض للتقدم"، وهذا لا يعكس الحقيقة حيث أن الفارق الحضاري بينهم و بين اخوتهم و جيرانهم لا يكاد يذكر فلننظر مثلاً إلي الحالـة الموريتانيـة أو النيجيريـة أو التشاديـة ، هل ما حصل في تلك الحالات تحقق فيهـا أم حُقِقَ لهـا ؟ .


و السؤال الذي يعيد طرح نفسه باستمرار هو: هل المستوي التاريخي لمجتمع ما يكون حُكْم على ذاتيته ؟، و يقودنا مباشرة إلي المحاولة الماكرة – المتضمنة في الصورة النمطية – لإثبات حتمية العامـل البيئي في التاريـخ و توظيفه لتمرير السياسات السابقة .
و الخطاب الموجـه للتوارق متنوع حسب مصـدره ، فحكومـات الجنوب الزنجية المعنية ( ما عدى بوركينافاسو ) 2 تقول لهم : أنتم هجرات قادمة من شمال الصحراء ، عودوا من حيث أتيتم !! .
و بعض المفكرين العرب من شمال الصحراء يقولون لهم : أنتم عرب ( قدماء !! ) .
و أخير الخطاب الفلكلوري و هو خطاب فرنسي أساساً يقول لهم : أبقوا بدواً رحل كما كنتم فهذا أفضل لكم .
و إذا استثنينا الخطاب الاقصائي الأول – القافز فوق الدين و التاريخ و الجغرافيا - ، فإن الخطاب الثاني لا ينفي حق المواطنة و مـا يترتب عليـه .
و حال التوارق في هذه الحالة مشابه لما قاله " خوان غويتيفولو" واصفاً الخطاب الموجه من دول الغرب لشعوب العالم الثالث : " أنتم متخلفون عنا لذلك فنحن لا نريدكم " ، و عندما يريدون الاندماج يقولون لهم : " لا نريد أن تشبهونا " .
فمن التوارق من صدق الخطاب ولكنه بعد فترة سمع لسان الحال يقول: " لا تصدق ذلك " ، نعم إنها الهوية ،الحقيقة التي لا تمنح ولا تستبدل ولا تعار أو تستعار و لكنها تسلب بقتل الذات .
أما الخطاب الفلكلوري فيهدف أساساً إلي الإبقاء على الاستراتيجية الفرنسية في المنطقة في مكانها و إلي الإبقاء أيضاً على التراث لاستغلاله سياحياً 3 .
و قد لاحظ التوارق تقاطعاً في آليات الخطاب رغم اختلاف منطلقاته ، هل كان ذلك بسب الهامشية في الدلالة ؟، أم بسبب الأذى الذي تلحقه الوسائل بالغايات ؟ ، على كل حال لابد من الاعتراف بأنهم قد جنوا فوائد من بعض هذه الآليات ، و لكنهم تمنوا أنها كانت في السياق .
و يقودنا تحليل الخطاب إلي ما لم يفكر فيه– أو بالأحرى تجاهلته آلياته ربما استخفافاً بالتوارق وهو ما يمكن تلخيصه في الآتي :
• إنه ( ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم ، بل إن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم )4.
• هل ثبت في التاريخ أنه يمكن إلغاء المطالبة بالحقوق قبل تحقيقهـا و لو جزئياً ؟ أو بصياغة أخرى إلي أي مدى يمكن السكوت عن غياب كل حق ؟ .
• لماذا يتحول الخطاب من مجرد بيان يستمد شرعيته من نفسه إلي آلية لعزل الاستياء الشخصي عن الاستياء العام ثم ينتهي إلي (عالم للإنشاء تتصالح فيه المتعارضات) .
• هل يمكن فصل سير الأحداث من جهة و مسيرة الوعي بها من جهة ثانية ؟، إن أحداث العقود الأربعة الماضية أتاحت للتوارق الفهم الحقيقي من خلال تجارب شخصية وذهنية ، فحكمهم إذاً على الأحداث (الآليات) هو حكم ( بالقياس الذاتي أي حكم بالمعروف ) 5*.
• و أخيراً ليس من مصلحة أحد تحويل خطاب يستمد شرعيته من نفسه إلي واقع قصري توضع آليات متعددة لترسيخه فالغاية يجب أن تكون ظاهرة في الوسائل حتى يمكن إدراكها .
و ننوه هنا إلي أننا قد أهملنا في تحليلنا للخطـاب محاولـة إبراز الجانب المسكوتِ عنه و لماذا سُكِتَ عنه ؟ ، ذلك لأن الخوض في هذا الجانب يقودنا إلي متاهات لن تعدم من يجيد توظيفها فيما لا ترجى منه فائدة .
أمـا رد التوارق على كل أنواع الخطاب السابق فيبدأ بهذا السؤال الاستنكاري الإنكاري : هل ما نعدمه هو الأصل !!؟ ، أم أن الهدف هو النفي بالأصل ؟. ثم أين يقع الحد الفاصل في الخطاب بين ما هو أيديولوجي ، و ما هو أنثروبولوجي ؟، إن التوظيف الأيديولوجي للتاريـخ من خلال ( التبرير و الإسقـاط و التمجيد و التكبير و التصغير و الاختزال و الطمس و الإيحاء و المقارنة و الاستعبار) 6 إن هذا التوظيف في عصر (Cyberspace ) أصبح مفضوحاً و لم يعد ينطلي على أحد ، و يبدو أنه في الأساس يقع ضمن المحاولة الفاشلة لدحض مقولة فيكو:
( النقوش و الأمثال شواهد على تأسيس الأمم ) 7 ؟.
و ما أستوعبه التوارق جيداً في النهاية هو أن ما يهم في الخطاب ليس جانبه العلمي أو المنهجي بل الخلفية التي تحركه و إطاره العام الذي يفكر داخله أو بعبارة أدق ما يحققـه من أهداف ، وهم يأملون الآن في تغير في عمق الخطاب لا في سطحه ، في جوهره لا في شكله ، في منطلقاته قبل آلياته … .
بقي أن أشير إلي أنه في الوقت الذي حققت فيه هذه الدول أهدافهـا – بامتياز – في تدمير بيئة التوارق و تعطيل حركـة مجتمعهم ، فإنهـا على المستوي الوطني و الإقليمي و الدولي تعتبر أسوأ دول العالم – بامتياز أيضاً – فدائرة المعارف ( Encarta Encyclopedia )8 تصفهـا
بأنها أفقر دول العـالم على الإطلاق ، ويحدث هذا بعد أربعين سنة من الاستقلال ، وفي ظل توفر
موارد طبيعية هائلة و اعـانات دولية هامة .
و بعد أربعة عقود إذا كان هناك من يعترف بسقوط مشروعه النهضوي وآخر يعترف بتعثره !!، فهل لهذه الأنظمة مشروع نهضوي أصلاً ؟ ، أو هل هي قادرة فعلاً على إفراز هذا المشروع ؟ . و إذا سلمنا جدلاً بالدور المزعوم للاستعمار!! ( البنك الدولي و صندوق النقد الدولي ونوادي الإقراض و الشركات متعددة الجنسية و تجار و سماسرة السلاح و غيرهم) ، إذا سلمنـا بدور كل هؤلاء ، أفـلا يكون واجبـاً من ثم التسليم أيضـاً بأن هذا الدور ـ بعد الاستقلال ـ يأتي من خلال الأنظمة الحاكمـة .
وعليـه هل يكون قدر التـوارق الخضوع لأنظمـة احترفت دبلوماسية التسول و سياسة الاستعمـار بالوكالـة لمدة أربعـة عقود و أثبتت عجزهـا الذاتي و الموضوعي بعد أن وُضِعَتْ لها أهدافهـا خارجهـا منذ البداية ؟ .
إن أولئك المروجون للقبول بالأمر الواقع ـ بعد انتهاء الحرب الباردة ـ هل انتبهوا أنهم قصدوا الخضوع للسيطرة التي ترسم حدود الواقع ؟ .
يقول التوارق : نعم للأمر الواقع ، ولكن هل الأمر الواقع معقول !!؟ .
ولمن يرغب في مزيد من الفهم فليقرأ العبارة بالمقلوب : عندما يكون الأمر الواقع معقول ، عندها ـ و عندها فقط ـ نعم للأمر الواقع . أما ما يتم الآن من مراهنة على عامل الزمن فلا جدوى من الاستمرار فيه لأن الأحداث قد أثبتت أن عامل الزمن لا يسبر حتماً أو بالضرورة في اتجـاه واحد . و قد أخطأ من ظن أن اتفاقيات الاندماج ( Integration ) التي وقع عليها بعض التوارق أخيراً ( و في ظروف تهديد سافر )9 يمكن أن ترضيهم كحل دائم ، فهم يعرفون المضمون اللغوي للمصطلـح و علاقتـه بالمفهوم و الرؤيـة ، فـإذا صـح المضمون على الأفراد ( الوافدين ) فهل التوارق أفراد و وافدين ؟ ، و حتماً هم ليسوا كذلك ، إذاً مـاذا عن الوطن و المجتمع ( الهويـة و اللغـة و الثقافـة ) !؟ ، هل يشملها المفهوم ؟ ، ثم هذا الاندماج الذي ( بدأ ) متأخراً أربعة عقود ما هو العمق التاريخي و النفسي الذي سيقدمه للتوارق ؟، قد تجد هذه الأسئلة و غيرها الإجـابة عنها في الهدف من دمـج التوارق وهو الاحتواء و الامتصاص (Assimilation ).
هذا عن المصطلح ( المضمون ) أمـا الاتفاقيات ( الإطار ) فعلى أيـة شرعية استندت ؟، و إن كانت لها فائدة يمكن أن يستخلصها التوارق فهي كونها وضعت أمام الرأي العام العالمي و بشكل غير مسبوق كيف أنهم لازالوا محرومين من أسباب الحياة و بمعني أوضـح محرومين من حق الحياة . و لمن أراد الاستفسار عن النتائج ، نتائج الاتفاقيات ، يقول التوارق إن أهمهـا على الإطلاق هو مـا تقوم به الحكومات المتحالفة من إقتسام لثروات الصحراء الكبرى و تشريد مجتمع التوارق بحجة محاربة التهريب و التطرف و الارهاب ( القاعدة التي لم يتعدى أفردها المائة عضو في كافة فضاء الصحراء الكبرى).
تلكم كانت باختصار قصة مأساة التوارق ، والآن لكي لا أُتهم بالاستخفاف بعقلية القارئ لابد أن هناك تساؤلين هامين قد قفزا إلي ذهنه :
التساؤل الأول : لماذا … مأساة التوارق ؟ .
فكر التوارق كثيراً فيما يمكن أن يكون السبب : افترضوا أن الاستعمار في شكله التقليدي قد أصبح ماضي ، استبعدوا الأيديولوجيـا ، نظروا في الدين ، قلّبوا صفحـات التـاريخ ، استنطقوا التراث ، فتشوا في الدولة و نظريـة الدولـة ، نعم … إنه كما قال إبراهيم الكوني :
( النبل الذي لا أحد يدرى لماذا يظل في حالة أبدية من الدفاع عن النفس ؟ ) 10.
والتساؤل الثاني : هل يعقل أن تنجح دول ( مالي و النيجر ) بهذا الفقر و الضعف و عدم الكفاءة في تدمير بيئة مجتمع يدعى العراقة و تجهض حركته لمدة أربعة عقود !!؟ .
حقاً إنه تساؤل في قمة الوجاهة ، ولكن الإجابة عنه تقودنا خارج الموضوع ، مع ذلك لا بأس من قولٍ مختصر ، فرغم أننا ندرك عظمة الأغراء الذي تقدمه نظرية المؤامرة إلا أننا ندرك في الوقت نفسـه أن الاستمـرار في احتضانهـا يقود إلي اليأس ذلك لأنها تفترض من ضمن ما تفترض تآمر الكل ضد الكل . الأرجح أنه من المفيد في حالة التوارق أن ندع كل ذلك جانباً و نتفق على أنه في الأساس لا مانع من التصرف بكعكـة كبيرة لذيذة طالما أن الذي كانت في حوزته يعلم أنها لا تخص أيٍ من الجيران ، إذاً هل كان حكيماً و عادلاً عندما حاول إخفاء حصته ؟ .
و في النهاية :
إذا كان تعـداد محاسن التوارق لن يجعل منهم ملائكـة ، فإنـه بالمثل تعداد مساوئهم لن يجعل منهم مجتمع منحط ، و كونهم ضحية طمع و تنميط و بأخذهم بما وُلِدوا به فإنهم قد استوعبوا محـاولة إخراجهم من الزمن و تحويلهـم إلي مجرد ( بروليتاريا ) رخيصــة رثة ، بدون قيم و بدون مُثُل غير البحث الدائم و الدائب عن الرغيف ، ولكن مهمـا بلغت بهـم الشدة فإنهم في السياسات يفرقون بين ما يستهدف الذات و مـا يستهدف المستوي التاريخي ، و التجربــة أيضاً فرضت عليهم الانتقـال من وصف الأحداث إلي فهمهــا و بموضوعية ، و فوق كل ذلك هم يدركون الآن و أكثر من أي وقت مضي أن مـا اعتـبروه عـلى امتـداد التاريخ فضيلة و علامة من علامات النبل التي تميزهم ( القناعـة المفرطة و الرضي بالقليل ) هو الذي يتم استثماره الآن ضدهم و بقوة .
أما محاولات زرع الفتنـة بينهم و حولهم ومن خلالهم فمصيرها لا محالة إلي الفشل ، لأنهم هم ومن حولهـم لابد أنهم استوعبوا من التجارب المعاصرة ـ و مع نور الدين فرح في الصومال ـ ( أن الفتنة ستكون بمثابة الدخول إلي ( اللامعني ) الذي لا سبيل للخروج منـه إلا من خـلال التواطؤ أو من خـلال التـآمر على الأحاسيس ) ،و أن التنافس قبل الأوان هو إنتـاج لسياسة فرق تسد و سياسة ( دعهم يحسمونها بينهم ) و أن عقلية ( القبيلة ، الغنيمة ، العقيدة )11 لن تؤسس لنهضة و حتماً سيتجاوزها التاريخ ، إن لم يكن قد تجاوزها فعلاً على الأقل في العالم الحر، و إذا كانت هناك ثمة مصداقية للاصلاح ودفع عجلة التنمية ، فإن هذا الاصلاح وهذه التنمية بحاجة إلي السلام الذي لا يمكن أن يري النور قبل أن نتفق على أن منطق البحث لأجوبة عن مخاوفنا و عن حل لخلافاتنـا يجب أن ينتقـل من دائرة القـوة إلي دائرة الفـكر ، و البداية تكون بالتوقف عن ممارسة سياسة ( إدانة الذين نعجز عن فهمهم و نبذ الذين يختلفون معنا ) .

و يتردد أخيراً القول بهول الكارثة وصعوبة أو استحالة إعادة بناء ما تم تدميره ، نقول في هذا الصدد : إن الصعوبة شيء نعترف به ، و الاستحالة شيء آخر نرفضه ، ففي بيئة غنيـة لن يكون التوارق أسوأ من يجيد طبع السيوف مناجـل و صحيح أن نظامهم الثقافي قد فقد بعض منظوماته نتيجة ما وقع عليه من اعتداء ولكن حقلهم الدلالي الواسع الخصب الذي بقي صامداً عبر الزمان لا يزال يحمل تلك المنظومات في صورتها الجنينية ، و بعبارة أخري إن مجتمع التوارق في النهاية هو مجتمع إنساني قـادر على صنع مصيره و إبداع مستقبله ، ولكن الإبداع من حيث هو عمل فردي شرطه الأول الحرية .

و قبل أن أختم تذكرت أنني قد قرأت يومـاً أن " ولتر بنجامين " كتب في مستهل العصر الفاشي : ( إن الأمل لم يكتب لنا إلا بسبب أولئك الذين هم بلا أمل )12 . هل اختلاف السياق يحجب صحة العبارة ؟ .
&&& *** &&&

1 ـ رفعت السيد أحمد ـ ضمن مؤلف جماعي ـ ( إشكالية الوطنية في الفكر الإسلامي المعاصر ) إشكاليات الفكر الإسلامي المعاصر ـ مركز دراسات العالم الإسلامي . مالطا ـ 1991 .
(2)* يمكن اعتبار (بوركينافاسو ) استثناء ،فالحقيقة أن هذه الدولة لم تتنكر للتو ارق في تاريخها وكانت ملاذهم الآمن طوال محنتهم .
(3)**((بعد سقوط شعار (من باريس إلي تنبكتو في ثمانية أيام ) أثر فشل مشروع الخط الحديدي عبر الصحراء الكبرى ، عدلت فرنسا إستراتيجيتها في الصحراء بحيث أصبحت تهدف أساساً إلي إخلائها من سكانها بكافة الوسائل مع منع منافسيهـا من الحصول على موطأ قدم بهـا )) . راجع بالخصوص :
- جيمس ويللارد - الصحراء الكبرى - دار الفرجاني طرابلس ليبيا.
- .ROBERT MONTAGNE - LE SAHARA, TEERE FRANCAISE - Etudes Avril 1952
4 ـ عبارة ماركس ـ الجابري ( التراث و الحداثة ) ) المركز الثقافي العربي ـ بيروت 1991 . ص 100
5 ـ عبارة عبد الله العروي ( مفهوم التاريخ) - المركز الثقافي العربي- بيروت - ج1 ص 61 ، ج2 ص 307 .
6 ـ ناصيف نصار ( منطق السلطة ) ـ دار أمواج ـ بيروت 1995 ، ص 216 .
* ـ قد يقال أنه حكم يدل على انعدام التجربة التاريخية ، في هذة الحالة لابد أن يكون هذا الانعدام شاملاً للخطيب
و المخاطب معاً .
7 ـ عبد الله العروي ، ج1 ص 80 .
8 ـ Microsoft Corporation 1993-1999) Encarta Encyclopedia 2000 (
9 ـ أثار عدد الجبهات و أسمائها الريبة لدى المراقبين فمن يعرف التوارق جيداً يعلم أنهم طوال التاريخ لم يقاتلوا العدو متفرقين أو مختلفين و إذا كان لابد من التفرق أو الاختلاف فإنه دائماً يكون بعد النصر على العدو .
10 ـ إبراهيم الكوني ( صحرائي الكبرى ) المؤسسة العربية للدراسات و النشر ـ بيروت 1998 . ص 164
11 ـ الجابري ص 340 .
12 ـ ماركوز . – الأنسان ذو البعد الواحد – دار الآداب – بيروت - ص 268 .

1 شــارك بـرأيــك:

غير معرف يقول...

السلام عليكم
بالجد كتبت ياأخي أبوبكر مقال رائع
ولا اعتقد بأنه سوف يكتب مثله
تحية لكم

:)) ;)) ;;) :D ;) :p :(( :) :( :X =(( :-o :-/ :-* :| 8-} :)] ~x( :-t b-( :-L x( =))

إرسال تعليق

 

blogger templates | Make Money Online