الأربعاء، ٢٩ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

النـاصرية و التوارق

بقلم الباحث والمناضل : أبوبكر أكحتى- الجماهيرية

جمال عبد الناصر الزعيم و البطل القومي العربي الأشهر في القرن العشرين ، ربما هذا التوصيف لن يرضي الكثيريين ، لكن هذا لن يغير من الواقع شيء طالما أن هنـاك الملايين الذين يرون فيه ذلك الزعيم الذي إن لم يكن قد حقق لهم ما تمنوه من عزة و كرامـة إلا أنه على الأقل عبر بكل صدق عن امانيـهم و أحلامهم و تطلعاتهم ، تبقى إذا مسألة الإنجاز رهن الظروف الموضوعية .
هذه المقدمة ضرورية لأنطلق منها موضحاً أن السياسات الناصيرية لم تكن دائماً فاشلة كما يزعم منتقدوها ، فقد أدركت الناصرية منذ البداية أهمية الصحراء الكبرى كونها شكلت عازل جغرافي بين الشمال و الجنوب الأفريقي . و أدركت أيضاً أن هذا العازل كان الميزة التي أستغلها التوارق لصد الغزاة عبر التاريخ . إذاً بالنسبة للغزاة كان هناك دائماً عازل ديمغرافي ( سكاني ) يقوم بأستغلال العازل الجغرافي ـ إذا صح التعبير ـ . و لكن في القرن العشرين قرن التكنولوجيا السريعة التقدم هل سيصمد هذا العازل الجغرافي طويلاً ؟ .
أنطلقت إذا السياسات الناصرية القومية من الهاجس الديموغرافي فتم التركيز على التوارق سكان الصحراء الكبرى .
وتم تهيئة الأطــار الفكري الذي أسست بموجبه المنطلقات و الآليات التي تهدف إلى عدم تكون أي كيان مستقل أو حتى شبه مستقل في الصحراء الكبرى والذي تم تصنيفه مسبقا بالحكم على النوايا كالآتي :
كيـان قومي تارقي بربري عدو للقوميـة العربيـة والأمة الاسلامية و عميل للشيطـان و للأستعمــار و الأمبريالية و الصهيونية العالمية و ........ !! .

و لكي لا أطيل على القاريء سوف أختصر كل ذلك في النقاط التالية :


• كانت البدايــــة من واحـــة سيوة فيهـــا منع التوارق من التحدث بلغتهم و ممارسة عاداتهم و تقاليدهم .
• في الوقت الذي كانت فيه القاهرة قبلة لجميع حركات التحرر العالمية رفض الرئيس عبد الناصر تقديم المساعدة لزعيم قبائل توارق تنبكتو( الأمير محمد علي أج الطاهر ) الذي كان يسعى للأستقلال عن فرنسا سنة 1958 م.
• تحالف الرئيس عبد الناصر مع الحكومات الأفريقية التي ضُمت أراضي التوارق إليهــا حيث ضمها إلى مجموعة عدم الانحياز التي أسسها مع تيتو و نهرو بإيعاز من الروس و صرف ملايين الدولارات التي كان الشعب المصري الفقير في أمس الحاجة إليها حيث بنى أكبر فنادق أفريقيــا في ذلك الوقت في عاصمتي مالي و النيجر و القاريء الفطن لابد أن يسأل لماذا مالي و النيجر بالتحديد ؟ ولماذا تم إهمال دول فقيرة مثل تشاد و فولتا العليا و غيرها......؟ .
• ساهمة الجزائر الناصرية القومية ( الرئيس أحمد بن بيلا )* في اجهاض ثورة التوارق سنة 1963 و إعتقال قياداتهم وتسليمهم لحكومة مالي بدلاً من مد يد المساعدة أو منحهم اللجوء السياسي على الأقل كما تقتضي الأعراف الدبلوماسبة .
• أنشأت الجزائر الناصرية القومية ( الرئيس أحمد بن بيلا ) غيتو (Ghetto) للتوارق و منعتهم من الاتصال بكافة أشكاله و أنواعه مع أبناء عمومتهم الأمازيغ في الشمال .
• بعد هزيمة 67 المؤسفة و التي كان من نتائجها غير المتوقعة تغيير اسرائيل لحليفها الأستراتيجي فأصبحت حليف استرتيجي لأمريكا بدلاً من فرنسا ، بعد هذا التغيير تقاطعت الأهداف الفرنسية مع الأهداف الناصرية في الصحراء الكبرى ( فالدول المتخلفة تكنولوجياً لايمكنها تهديد مصالح فرنسا الأستراتيجية في الصحراء الكبري) فغضت فرنسا الطرف عن العلاقات الوطيدة التي بدأ الرئيس عبد الناصر يبنيها مع مستعمراتها القديمة .
• السياسات التي مورست منذ فترة الاستقلال ( 1960 ) في مناطق التوارق أشتملت على العناصر الأربعة التالية :
أولاً : الحرمان من المواطنة : و ابسط نتيجة لذلك أن التوارق يتنقلون في الصحراء الكبرى بدون هوية و عليه فهم غنيمة لمن يشـاء .
ثانياً : الإفقـار: بعد خمسة عقود من الافقار المبرمج أصبح مجتمع التوارق هو المجتمع الوحيد الخالي من التجار و رجال الأعمال و المقاولين. كما تم حرمـانهم من ثروات النفط و الغاز و اليورانيوم و الذهب و الفوسفات وغيره ممـا تجود به أوطانهم .
ثالثـاً : الرعب و الأبادة : بعد أن أطلقت حكومة مالي سراح زعماء التوارق سنة 1975 ( بسبب تقدم السن ) لم يسجن أي تارقي في الصحراء الكبرى ، ما يتم فقط هو الإغتيال أو الاختفاء الغامض لقياداتهم .
رابعاً : التضليل : بدأ مسلسل التضليل بجبهة تحرير مالي و النيجر مروراً بحرب لبنان و تشاد و خدعة الأتفاقيات ومحاربة الأرهاب و تجارة المخدرات و القاعدة بالمغرب العربي و تسليم السلاح و أخير إرسال الضباط التوارق ليتم تصفيتهم في حرب الصومال، حلقات المسلسل لم تنتهي بعد.
حقاً عندما يرتع الجهل و الفقر يزدهر التضليل.

إن كل الأطرف التي مارست أو ساهمت في ممارسة هذه السياسات فشلت إلى الآن في صياغة المبرر الأخلاقي لها و لذلك فهي تحاول الانكار أو التبرير ..........
و عليه فإنه قبل أن أتهم بالافتراء و التلفيق و سرد تحليلات بدن أدلة كافية ، هذا اعتراف صريح و جرئ أدلى به السيد الأمين حمادي( الأمين العام للتجمع العربي بالنيجر ) في مقابلة مع جريدة الزحف الأخضر ( ليبية )** حيث صرح بالآتي :
• شعورنا بالخطر أدي بنا إلى بناء هذا التجمع لحماية أنفسننا و حماية ظهر الأمة العربية شمال الصحراء .
• أننا فعلاً تسلحنا و لكن من أجل حماية أنفسنا و لن نقبل أبداً بتقسيم الدولة .....
• و سنكون مانعاً أمـام قيام هذا الكيان......!!! .
• نحن نساهم في شيئين ـ الوحدة الوطنية و منع الكيان (!!) الذي يراد زرعه في المنطقة .

اليوم مع بداية القرن الواحد و العشرون و بعد التجارب المريرة ،أصبح التوارق أكثر و عياً و إدراكاً للعالم المحيط بهم، هذا العالم الذي يعطف علي الضعيف و لكنه يحترم القوي و القوة هنا لاتعني الجانب الصلب فقط كما يتخبل البعض بل الجانب اللين أيضاً. و فوز فرقة تيناريوين التارقية بجائزة أنكوت العالمية رغم رمزيته إلا أنه أثبت أن التوارق أصبحوا يجيدون إستعمال عناصر القوة اللينة التي يتمتعون بها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في برنامج شاهد على العصر الذي قدمه الأستاذ أحمد منصور بقناة الجزيرة 8 / 1 / 2003 . سأل أحد المشاهدين الرئيس الأسبق أحمد بن بيلا عن سبب تصرفه هذا بحق التوارق فأجاب (لأنهم عنصريون) .كما أعترف بالعلاقة الوثيقة التي تربطه بـ( مودي بوكيتا ) رئيس مالي في ذلك الوقت ، و الغريب في هذا الرد أنه قلب القضية فأحال الضحية إلى جانى.
** جريدة الزحف الأخضر ( جريدة ليبية ) بتاريخ 18 /9 / 1993 ــ العدد رقم 1224 صفحة 3 ـ أجرى الحوار السيد / حسين عقيلة الورفلي .

0 شــارك بـرأيــك:

:)) ;)) ;;) :D ;) :p :(( :) :( :X =(( :-o :-/ :-* :| 8-} :)] ~x( :-t b-( :-L x( =))

إرسال تعليق

 

blogger templates | Make Money Online