لم تشهد أيا من القضايا ذات الصبغة الإنسانية تجاهلا ولا تهميشا من لدن جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان ، شأن قضية الطوارق.
منذ الاستقلال في منطقة الساحل حيث يتوزع الطوارق بين خمس دول هي مالي والنيجر وبوركينافاسو والجزائر وليبيا، ظلت هذه الفئة ذات التاريخ والثقافة الأصلية تصارع قمع الأنظمة المستبدة والديكتاتورية وظروف الطبيعة الصحراوية القاسية ،بعيدا عن اهتمام و مبالاة العالم المتحضر.
رغم التباينات الواضحة بين الأنظمة السياسية لدول مالي والنيجر وليبيا والجزائر على امتداد نصف قرن من ما يسمى " الاستقلال" إلا أنها اعتمدت سياسة واحدة اتجاه الطوارق ،سياسة التهجير والقمع والتجويع والتهميش.
سنتطرق لذلك من خلال كل بلد على حدة.
الطوارق في الجزائر
يشغل الطوارق ثلاثة أرباع الصحراء الجزائرية ، ولاية تمراست تعد أكبر ولاية جزائرية مساحة وأغناها ثروة ، تمتد الولاية ذات الأغلبية الطوارقية على طول الحدود الجزائرية –المالية، والجزائرية –النيجيرية، وتضم مناطق الهكار وتيسليت الأثرية، مناطق اعتبرتها اليونسكو أكبر متحف في الهواء الطلق.
يقطن الطوارق أيضا في ولاية اليزي على الحدود الجزائرية الليبية، وتعتبر الولايتين غنيتان بالثروة المعدنية والطاقية " غاز وبترول" ، والقبلة الأولى للسياحة على مستوى القطر الجزائري نظرا لغنائهما الثقافي والتقليدي، هذه الوضعية المتميزة اقتصاديا وثقافيا لم تنعكس على الحالة المعيشية للساكنة ، الذين يعيشون وضعية إنسانية مزرية، "فالبنية التحتية دون المستوى والتمدرس في المستويات".
هذه الوضعية خلقت تذمرا واضحا أخذ شكل تمرد ضد السلطات المحلية والمركزية لكن قوة وتحكم المخابرات الجزائرية على منطقة الجنوب حالت دون بروز هذه الأحداث على المستوى الحقوقي العالمي.
نهجت سلطات الجزائر سياسية عقابية ضد كل من يحرض الساكنة على المطالبة بحقوقهم السياسية، وفرضت عقوبات من قبيل التهجير نحو البلدان المجاورة بمبرر الهجرة السرية والسجن والإعدامات الجماعية في الصحراء.
يطالب الطوارق في الجزائر بتنمية منطقتهم عبر صندوق يمول من مداخيل البترول، وإعطاءهم الأسبقية في فرص العمل التي تعرضها الشركات البترولية المستغلة لثروات المنطقة الباطنية، إشراكهم في الحكم والتسيير المحلى وتنمية المناطق الحدودية وتسهيل التنقل بين الدول المجاورة حيث يعيش بني جنسهم.
الطوارق في مالي
مع بداية الاستقلال، قاد الطوارق في مالي تمردا ضد الحكومة المركزية التي يقودها موديبوكيتا إذ حاول الأخير تطبيق النظام الشيوعي والقضاء على الخصوصيات المحلية والثقافية، هدأت الثورة كيدال 1962 بفضل تدخل مغربي جزائري لصالح حكومة موديبوكيتا.سلم المغرب والجزائر قادة الطوارق ليحكم ضدهم بالإعدام في باماكو، لم يغير انقلاب موسى تراوري من وضعية الشمال الذي اعتبر منذ ذلك الحين منطقة متمردة ضد الحكم المركزي، ويجب إنزال العقوبة الجماعية ضد سكانها، تم تسميم الآبار وصودرت الثروة الحيوانية وانتزعت الأراضي وهمشت المنطقة ، فأضطر الطوارق إلى الهجرة نحو ليبيا والجزائر وموريتانيا.
بداية التسعينيات عاد الطوارق للتمرد وانتصروا على الحكومة المركزية بعد حرب عصابات استهدفت ثكنات الجيش المالي، انتقمت الحكومة وجيشها بشن عمليات ابادة ضد المدنيين الطوارق العزل.
" انتصار الطوارق حمل الديمقراطية لمالي" هذا ما كتبته الصحف الفرنسية بعد الإطاحة بالرئيس موسى تراوري ووصول أول رئيس ديمقراطي لمالي عبر انتخابات نزيهة، وقعت اتفاقية سلام بين الطوارق والحكومة الديمقراطية بحضور دول الجوار والأمم المتحدة والدول الخمس الكبرى.
تنص الاتفاقية على منح منطقة الشمال وضعية خاصة " لا مركزية" تمكن سكانها من تسيير شؤونهم المحلية وتكوين شرطة محلية وترقية لغتهم وثقافتهم المحلية وتمويل صندوق خاص بالمشاريع التنموية.
جيوب المقاومة في دوائر الحكم خاصة الجيش، حالت دون تطبيق أيا من بنود الاتفاقية، طال الانتظار، استمر الجيش في إعدام النشطاء الطوارق دون محاكمة ولم يحاسب أحد، لم يكن هناك أي دليل على استعداد الحكومة المالية تطبيق الاتفاقية، الدعوات المتكررة باءت بالفشل.
الجزائر بدورها كانت ضد تطبيق الاتفاقية، فإعطاء الطوارق في شمال مالي وضعية خاصة سيحفز طوارق الجنوب الجزائري على المطالبة بوضعية مماثلة.
عام 2005 عاد الطوارق لحمل السلاح مطالبين بتطبيق اتفاقية السلام، عادت أجواء الحرب إلى شمال مالي لكن في ظروف مختلفة، انتشار الجماعات الإسلامية الإرهابية في المنطقة ، عصابات تهريب البشر والمخدرات، نتيجة تخلى الدولة عن دورها.
اتهم الطوارق دون دليل بالتحالف مع الخارجين عن القانون لأنهم عارضوا الحكم المركزي وطالبوا بتطبيق اتفاقية تم التوقيع عليها بحضور وشهادة المجتمع الدولي.
بالأمس وبعد صراع بين النظامين الجزائري والليبي على استضافت مفاوضات سلام جديدة لإنهاء النزاع تم التوقيع في الجزائر على اتفاقية سلام جديدة بنفس البنود تنتظر التطبيق، الآن العمليات الحربية متوقفة، الطرف الطوارقي ينتظر نوايا الحكومة، الوضعية الإنسانية لا تحتمل، رجوع اللاجئين والمهجرين دون تلقى الضمانات اللازمة مستحيل، أمل وفاء الحكومة المركزية وضامني الاتفاقية بالتزاماتهم أقل حظا.
الطوارق في النيجر
لا تختلف وضعية الطوارق في النيجر عن وضعية إخوانهم في مالي، الصراع منذ الماضي والآن في أوجه بين الحكومة النيجرية وحركة النيجريين من أجل العدالة، بحث الطوارق عن العدالة وعن حقوقهم على أرضهم أجبرهم على حمل السلاح لاسترداد بعضا من كرمتهم ولفت انتباه العالم لمأساتهم، الحكومة لم تطبق الاتفاقيات الموقعة في بداية التسعينيات حال حكومة مالي، رخص استخراج اليورانيوم الثروة الأهم في شمال النيجر تمنحها الحكومة كل يوم للشركات الأجنبية دون مراعاة رأي السكان ولا مصالحهم، الحكومة لا تلزم الشركات باحترام المعايير البيئية ،مما سبب كوارث إنسانية ضحاياها السكان الطوارق في الشمال ، انتشار الأمراض ،تلوث مياه الشرب النادرة.
الحكومة ترفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتنعت المعارضة الطوارقية بالإرهابيين واللصوص، الحرب مستمرة، الجيش النيجري المدعوم بأسلحة صينية الشريك الأول ، فضل قصف المدنيين واحتجازهم عوض خوض معارك حقيقية ضد مسلحي الحركة الطوارقية المطالبة بالعدالة.
الطوارق في ليبيا
ظلت منطقة الطوارق في الجنوب الغربي لليبيا مجرد هوامش للشمال، منطقة نائية يضمن الملك السنوسي، ولاءها عبر مندوبي الزوايا التيجانية والسنوسية، ولعب التأطير الديني دورا مهما في تحفيز الساكنة على مقاومة الاستعمارين الفرنسي والإيطالي، أوضاع المنطقة تبدلت" انقلبت" مع الانقلاب العسكري ل1969 والذي لم يجد في البداية تأييدا ولا ترحيب من لدن الطوارق نظرا للارتباط الديني والزوايتي للطوارق بالمؤسسة الملكية ، المتلائمة مع طبيعتهم وثقافتهم ونزوعهم إلى الاستقلال، لكن السنويات الموالية غيرت من نظرة الطوارق لثورة القذافي على اثر الاهتمام المتزايد للأخير بأوضاع المنطقة وإطلاق الوعود بتنميتها وتغيير وقعها المعيش، ولعل من أهم الأحداث التي جعلت طوارق يتبنون ثورة الفاتح ، الاستقبال الذي حضي به إخوانهم المهجرين من مالي من قبل النظام الليبي، بعد قمع ثورة كيدال لسنة 1962، بل إن نظام القذافي أنشا قواعد لتدريب الشباب الطوارقي في مدن سبها وغدامس استعدادا للعودة إلى شمال مالي لاستكمال الثورة ضد نظامها، لكن هوالاء الشباب الذين تم تدريبهم ما لبث النظام الليبي أن دفع بهم في حربه ضد تشاد من ثم في قوات الدعم العربي في لبنان وفلسطين ، أي أنهم أرغموا على شن حرب بالوكالة بعيدا عن قضيتهم المصيرية لنشر تعاليم ثورة لم يؤمنوا بها يوما ولتحقيق طموحات القذافي الزعاماتية والوحدوية. بعد احتجاجات داخل الثكنات العسكرية الليبية وأحداث كادت أن تودي بنظام القذافي، خرج علينا القذافي بمسرحية جديدة خلال مؤتمر جانت الذي ضم رؤساء مالي والنيجر والجزائر بالإضافة إلى ليبيا، معلنا دعمه لحقوق الطوارق، ذلك الإعلان الذي ألب العلم آنذاك على الطوارق لكونهم مدعومين من نظام خارج الشرعية الدولية نظام يدعم الإرهاب، لذا لم تحضى ثورة الطوارق في بداية التسعينيات بفهم ولا دعم العالم رغم أنهم كانوا يناضلون من أجل نيل حقوقهم وإرساء الديمقراطية واحترام التعددية الثقافية والحفاظ على الخصوصيات المحلية.
منذ ذالك الحين تحولت منطقة الطوارق إلى مجال صراع بين النظامين الليبي والجزائري، مما فوت على المنطقة أي مخرج أو سبيل للسلام والاستقرار والتنمية.
من ناحية وضعية الساكنة الطوارقية في ليبيا فلا اختلاف بينها وبين وضعية أشقاءهم اللاجئين في الجزائر وموريتانيا وعدة دول، ورغم بعض التقدم في مجال التمدرس الذي يبقى تأثيره محدودا نظرا لخضوعه لنظام يحد من حرية التفكير والتعبير والإبداع.
على أن الوعود التي أطلقها نظام القذافي اتجاه طوارق مالي والنيجر أفرغت منطقة أزواد من سكانها وخدمت سياسية الدولتين الرامية إلى تهجير الطوارق من أرضهم وإحلال غرباء فيها.
الخميس، ٢١ أغسطس ٢٠٠٨
الطوارق: مأساة لا تعرف نهاية
للأمة نخدم ١٦:٢٦
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 شــارك بـرأيــك:
إرسال تعليق